غزوة الخندق...1
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر غزوة الخندق أو (الأحزاب) من أهم الغزوات في تاريخ المسلمين، فقد اجتمع فيها رؤساء الكفر على حصار المسلمين في المدينة المنورة والقضاء عليهم، وكان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة، ولكن النتيجة كانت أن ثبت الله المسلمين وأظهر حقد المنافقين وخيانتهم، ونصر الله تعالى رسوله المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على هؤلاء الأحزاب.
وحديثنا اليوم عن هذه المعركة يتمحور حول ثلاث نقاط: (فتنة بني النضير – حفر الخندق – المناوشات والحصار).
1. فتنة بني النضير:
لم يقرّ لبني النضير قرار بعد جلائهم عن ديارهم وإرث المسلمين لها، بل كان في نفوسهم دائماً أن يأخذوا ثأرهم، ويستردّوا بلادهم، فذهب جمع منهم إلى مكّة، وقابلوا رؤساء قريش، وحرّضوهم على حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ومنّوهم المساعدة، فوجدوا منهم قبولاً لما طلبوه، ثم جاؤوا إلى قبيلة غطفان وحرّضوا رجالها كذلك، وأخبروهم بمبايعة قريش لهم على الحرب، فوجدوا منهم ارتياحا، فتجهزت قريش وأتباعها يرأسهم أبو سفيان، وعددهم أربعة آلاف معهم ثلاثمائة فرس وألف بعير.
وتجهزت غطفان يرأسهم عيينة بن حصن، وكان معه ألف فارس، وبلغت عدة الجميع عشرة آلاف محارب قائدهم العام أبو سفيان.
2. حفر الخندق:
ولمّا بلغه عليه الصلاة والسلام أخبار هاته التجهيزات، استشار أصحابه فيما يصنع أيمكث بالمدينة أم يخرج للقاء هذا الجيش الجرّار؟ فأشار عليه سلمان الفارسي بعمل الخندق وهو عمل لم تكن العرب تعرفه، فأمر عليه الصلاة والسلام المسلمين بعمله، وشرعوا في حفره شمالي المدينة من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، وهذه هي الجهة التي كانت عورة تؤتى المدينة من قبلها.
وأقام الجيش في الجهة الشرقية مسنداً ظهره إلى سلع وهو جبل مطل على المدينة وعدّتهم ثلاثة آلاف، وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة. أما قريش فنزلت بمجمع الأسيال، وأما غطفان فنزلت جهة أحد.
1. المناوشات والحصار:
وكان المشركون معجبين بمكيدة الخندق التي لم تكن العرب تعرفها، فصاروا يترامون مع المسلمين بالنبل. ولما طال المطال عليه أكره جماعة منهم على اقتحام الخندق، منهم: عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن ود واخرون، وقد برز عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لعمرو بن ود فقتله وهرب إخوانه.
واستمرّت المناوشة والمراماة بالنبل يوماً كاملاً حتى فاتت المسلمين صلاة ذاك اليوم وقضوها بعد، وجعل عليه الصلاة والسلام على الخندق حرّاساً حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان عليه الصلاة والسلام يبشّر أصحابه بالنصر والظفر ويعدهم الخير.
أما المنافقون فقد أظهروا في هذه الشدّة ما تكنّه ضمائرهم حتى قالوا:
ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً،
وانسحبوا قائلين: إنّ بيوتنا عورة نخاف أن يغير عليها العدو
وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً.
واشتدّت الحال بالمسلمين، فإنّ هذا الحصار صاحبه ضيق على فقراء المدينة، والذي زاد الشدّة عليهم ما بلغهم من أنّ يهود بني قريظة الذين يساكنونهم في المدينة قد انتهزوا هذه الفرصة لنقض العهود، ولمّا بلغت هذه الأخبار رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أرسل مسلمة بن أسلم في مائتين، وزيد ابن حارثة في ثلاثمائة لحراسة المدينة خوفاً على النساء والذراري، وأرسل الزبير ابن العوّام يستجلي له الخبر، فلمّا وصلهم وجدهم حانقين يظهر على وجوههم الشرّ، ونالوا من رسول الله والمسلمين أمامه، فرجع وأخبر الرسول بذلك.
وهنالك اشتدّ وجل المسلمين وزلزلوا زلزالاً شديداً، لأنّ العدو جاءهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظنّوا بالله الظنون، وتكلّم المنافقون بما بدا لهم.
وللقصة بقية في مقال ثان إن شاء الله تعالى، نتحدث فيه عن ثلاث نقاط: ( الخدعة في الحرب – هزيمة الأحزاب – دروس مستفادة ).
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين..
Comments
Post a Comment