غزوة أحد (15 شوال)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
سبب المعركة:
كانت غزوة أحد يوم السبت لخمس عشرة خلت من شوال في العام الثالث للهجرة، وسببها أن قريشاً أرادت أن تثأر للقتلى والخسائر التي أصابتها يوم بدر، فتجهزت لغزو الرسول صلى الله تعالي عليه وآله وسلم في المدينة، وخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل.
تجهيزات وأحداث المعركة:
سار جيش قريش حتى وصلوا بطن الوادي من قبل جبل أحد، وخرج الحبيب صلى الله تعالي عليه وآله وسلم والمسلمون معه في نحو ألف بينهم مائة دارع وفرسان. ثم مضى الرسول صلى الله تعالي عليه وآله وسلم حتى وصل إلى ساحة أحد، فجعل ظهره للجبل ووجهه للمشركين، وصف الجيش، وجعل على كل فرقة منه قائداً، واختار خمسين من الرماة، على رأسهم عبد الله بن جبير الأنصاري ليحموا ظهر المسلمين من التفاف المشركين وراءهم، وقال لهم:
«احموا ظهورنا، لا يأتونا من خلفنا، وارشقوهم بالنبل؛ فإن الخيل لا تقوم على النبل، إنا لا نزال غالبين ماثبتم مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم»
وقال لهم في رواية أخرى:
«إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم أو ظاهرناهم وهم قتلى، فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم».
ثم ابتدأ القتال، ونصر الله المؤمنين على أعدائهم، فقتلوا منهم عدداً، ثم ولوا الأدبار، فانغمس المسلمون في أخذ الغنائم التي وجدوها في معسكر المشركين، ورأى ذلك من وراءهم من الرماة فقالوا: ماذا نفعل وقد نصر الله رسوله؟ ثم فكروا في ترك أمكنتهم لينالهم نصيب من الغنائم، فذكرهم رئيسهم عبد الله بن جبير بوصية رسول الله صلى الله تعالي عليه وآله وسلم، فأجابوا بأن الحرب قد انتهت، ولا حاجة للبقاء حيث هم، فأبى عبد الله ومعه عشرة آخرون أن يغادروا أمكنتهم.
عاقبة التسرع:
رأى خالد بن الوليد وكان قائد ميمنة المشركين خلو ظهر المسلمين من الرماة، فكرَّ عليهم من خلفهم، فما شعر المسلمون إلا والسيوف تناوشهم من هنا وهناك، فاضطرب حبلهم، وأشيع أن الرسول قد قتل، ففر بعضهم عائداً إلى المدينة، واستطاع المشركون أن يصلوا إلى الرسول، فأصابته حجارتهم حتى وقع وأغمي عليه، فشج وجهه، وخدشت ركبتاه، وجرحت شفته السفلى، وكسرت الخوذة على رأسه، ودخلت حلقتان من حلقات المِغفر في وجنته، وتكاثر المشركون على الرسول يريدون قتله، فثبت صلى الله تعالي عليه وآله وسلم وثبت معه نفر من المؤمنين، منهم: أبو دجانة، تترس على الرسول ليحميه من نبال المشركين، فكان النبل يقع على ظهره، ومنهم سعد بن أبي وقاص رمى يومئذ نحو ألف سهم، ومنهم: نسيبة أم عمارة الأنصارية، تركت سقاء الجرحى، وأخذت تقاتل بالسيف، وترمي بالنبل، دفاعا عن رسول الله صلى الله تعالي عليه وآله وسلم حتى أصيبت في عنقها، فجرحت جرحا عميقاً..
ثم استطاع الحبيب صلى الله تعالي عليه وآله وسلم الوقوف والنهوض على أكتاف طلحة بن عبيد الله، فنظر إلى المشركين، فرأى جماعة منهم على ظهر الجبل، فأرسل من ينزلهم قائلا:
«لا ينبغي لهم أن يعلونا، اللهم لا قوة لنا إلا بك»
فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم، وانتهت المعركة.
نتائج المعركة:
استشهد من المسلمين نحو سبعين وكان ممن استشهد في هذه المعركة سيدنا حمزة رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله تعالي عليه وآله وسلم، وبلغ عدد قتلى المشركين ثلاثة وعشرين. وقد أنزل الله تعالى في هذه المعركة عدة آيات في سورة آل عمران:
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إ ِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}
الدروس المستفادة:
- أن المحن والشدائد تميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب.
- أنه سبحانه وتعالى هيَّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه.
- تجلي مظهر صبر الحبيب صلى الله تعالي عليه وآله وسلم في عدم جزعه لما أصابه وأصاب أصحابه من آلام وأحزان.
- بيان عقوبة الله تعالى للمؤمنين لما خالف الرماة أمر الحبيب صلى الله تعالي عليه وآله وسلم بالتسرع في ترك مراكزهم الدفاعية، وطلبهم للغنيمة.
نسأل الله تعالى العفو العافية، وأن يحفظنا من الفتن والمحن والشدائد، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين...
Comments
Post a Comment