سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (يوم استشهاده 15 شوال)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف به:
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، له كنيتان، أولاهما أبو يعلى نسبة إلى ولده يعلى، والثانية أبو عمارة نسبة إلى ولده عمارة، وقد لقب بأسد الله وأسد رسوله، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه في الرضاعة هو اخوه لأنه رضع من ثويبة جارية أبي لهب وقد عرف بالشدة والقوة والبأس.
قصة إسلامه:
كان إسلام حمزة بن عبد المطلب بسبب غضبه لما بلغه من تهجم أبي جهل على رسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تهجّما بذيئاً، فقد روى ذلك ابْنُ إسْحَاقَ فقال: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، كَانَ وَاعِيَةً أَنّ أَبَا جَهْلٍ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عِنْدَ الصّفَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مِنْ الْعَيْبِ لِدِينِهِ وَالتّضْعِيفِ لِأَمْرِهِ فَلَمْ يُكَلّمْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ، فَعَمَدَ إلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ.
فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ رَاجِعاً مِنْ قَنْصٍ لَهُ، وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ وَيَخْرُجُ لَهُ، وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ حَتّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَة، وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا وَقَفَ وَسَلّمَ وَتَحَدّثَ مَعَهُمْ، وَكَانَ أَعَزّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وَأَشَدّ شَكِيمَةً.
فَلَمّا مَرّ بِالْمَوْلَاةِ وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلَى بَيْتِهِ قَالَتْ لَهُ:
"يَا أَبَا عُمَارَةَ لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيك مُحَمّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبّهُ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلّمْهُ مُحَمّدٌ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم".
إيقَاعُ حَمْزَةَ بِأَبِي جَهْلٍ وَإِسْلَامُهُ:
احْتَمَلَ حَمْزَةَ رضي الله عنه الْغَضَبُ، فَخَرَجَ يَسْعَى وَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ، مُعِدّاً لِأَبِي جَهْلٍ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَلَمّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتّى إذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ بِهَا فَشَجّهُ شَجّةً مُنْكَرَةً، ثُمّ قَالَ:
"أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ؟ فَرُدّ ذَلِكَ عَلَيّ إنْ اسْتَطَعْت".
فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ:
"أَبُو جَهْلٍ دَعُوا أَبَا عُمَارَة، فَإِنّي وَاَللّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبّا قَبِيحًا"
فَلَمّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قَدْ عَزّ وَامْتَنَعَ، وَأَنّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ.
تثبيت إيمانه برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
ولننقل لك حديث سيدنا حمزة رضي الله عنه في نفسه، كما جاء على لسانه، وكما نقل ابن إسحاق:
أقبل حمزة على نفسه، وقال:
"ما صنعت، اللهم إن كان خيرا، فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا".
فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان، حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال:
"يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر ولا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو!! أرشد أم هو غيّ شديد، فحدثني حديثاً، فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني"
فأقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فذكره ووعظه، وخوفه وبشره، فألقى الله تعالى في قلبه الإيمان بما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال:
"أشهد أنك الصادق، فأظهر يا ابن أخي دينك، فو الله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الأول". فكان حمزة ممن أعز به الدين. روى البيهقي مثل ذلك.
استشهاده في غزوة أحد:
كانت الجولة للمسلمين، حتى إن المشركين يفرون فراراً أمام سيوف الله تعالى التي سلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على الشرك وأهله، وأمام الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، فما تقدموا حريصين على الحياة الدنيا، إنما يحرصون على ما عند الله في الآخرة.
كان حمزة يجندل الأبطال، وما تقدم نحوه أحد إلا جعله يعض التراب مستهزئاً به، ساخراً منه، وهو يتبختر، ويدل بمواقفه في القتال.
وقد كان يتربص به العبد الذي جعل سيده جبير بن مطعم قتل حمزة عم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثمن عتقه، كما قتل حمزة عمه.
كان وحشي يختبئ وراء الأشجار لتسنح له فرصة يرمي فيها رميته، وحمزة يحمل سيفه يهد به الجيش هداً، فرماه بحربته التي لم تخطيء، ونال حريته.
فقتل عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وسيد الشهداء. كما قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
«سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قال كلمة حق أمام سلطان جائر فقتله».
رضي الله تعالى عن سيدنا حمزة (أسد الله) وعن سائر صحابة نبيه الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، نسأل الله تعالى أن يخلقنا بأخلاقهم ويجمعنا معهم في جنان النعيم، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله تعالى على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
Comments
Post a Comment