مولد الحبيب المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

الحالة الإجتماعية قبل البعثة النبوية:

إنّ هذا الدّين القويم نعمة عظيمة امْتَنَّ الله بها على عباده، وإنّ الناظر في حالة الناس قبل بعْثَة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم والرّائي لجاهليَّتهم الْجُهَلاء وما انْتشَر فيهم من الضَّلالات والظُّلُمات والشُّرُوْر والْجَهَالات، فقد كانوا يَعيشُوْن في دَيَاجير ظَلام الظلم والْجَهْل والعُدْوان وظُلُمات الطُّغْيان والاستبداد، وكانوا يَعْبُدون الأوثان والشمس والقَمَر والنُّجوم، ومنهم من كانوا يَعْبُدون الحيوانات والأشجارَ والنِّيْران، وكانوا يَنْحَرون ويَذْبَحون عند أصنامهم وأنصابهم، وكانوا يَئدون بَناتهم خَشْيَة العار والإنفاق، ويَقْتُلون أولادَهم خَشْية الفَقْر والإملاق، وكان من المعروف في أهل الجاهلية أنّهم كانوا يتزوَّجون بزوجات آبائهم، ويَبْدو أنّ الأَغْلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحسّ بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة، وحالة المجتمع قبل البعثة كانت في الْحَضيض من الضُّعْف والعَماية، فالْجَهْل ضارب أطنابه، والْخُرافات لها جَوْلة وصَوْلة، والناس يعيشون كالأنعام، وكانت الإنسانية تتخبَّط في بيداء التِّيْه والضَّلاَل، إنّ الناظر في كلّ هذا يَعْلَم مدى فضل الله على العباد وعلى البَشريَّة جمعاء إذ أكرَمَها بمَبْعث خير البَشريّة سيدنا محمد صلّى الله تعالى عليه وسلّم؛ ليسلك بها طريق النُّوْر والهداية ويروّضها وَسَاسَها ويعلّمها دين الإسلام فقد أشرق ببعثته تاريخها وانجلى ظلامها.

الخوارق التي ظهرت عند مولد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:

أن أم النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
لما ولدته خرج مني نور أضاء له قصور الشأم، فولدته نظيفاً، ولدته كما يولد السخل ما به قذر، ووقع إلى الأرض وهو جالس على الأرض بيده.
(الطبقات الكبرى لابن سعد: ١/١٠٢)
وفي حديث آخر الذي رواه الحاكم في مستدركه، عن عرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي آمنة التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا:
"يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا (45) وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا (46)".
(المستدرك للحاكم: ٢/٤٥٣ [٣٥٦٦])

ليلة المولد أفضل من ليلة القدر:

إذا قلنا بأنه عليه الصلاة والسلام ولد ليلا، فأيما أفضل: ليلة القدر أو ليلة مولده عليه الصلاة والسلام؟ أجيب: بأن ليلة مولده عليه الصلاة والسلام أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة:
  • أحدها: أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر معطاة له، وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه، ولا نزاع في ذلك، فكانت ليلة المولد أفضل من ليلة القدر.
  • الثاني: أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها، وليلة المولد شرفت بظهوره صلى الله عليه وسلم. ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر، على الأصح المرتضى، فتكون ليلة المولد أفضل.
  • الثالث: أن ليلة القدر وقع فيها التفضيل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها على سائر الموجودات، فهو الذي بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، فعمت به النعمة على جميع الخلائق، فكانت ليلة المولد أعم نفعًا، فكانت أفضل.
  • (المواهب اللدنية: ١/١٤٥)

الفرح بالمولد النبوي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:

قال الله سبحانه وتعالى:
قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ.
(يونس: ٥٨)
والنبي عليه الصلاة والسلام أعظم رحمة وفضلا حيث قال الله جل وعلا:
ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ.
(الجمعة: ٤)
في تفسير هذه الآية قال الإمام ابن الجوزي:
"وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ"
بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم.
(زاد المسير: ٨/٢٢)
وفي تفسير الخازن قال الإمام علاء الدين الخازن:
"وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ"
أي على خلقه حيث أرسل فيهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.
(لباب التأويل في معاني التنزيل: ٧/٨٧)
وفي تفسير ابن كثير قال ابن كثير الدمشقي:
"ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ"
يعني: ما أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم من النبوة العظيمة، وما خص به أمته من بعثته صلى الله عليه وسلم إليهم.
(تفسير القرآن العظيم: ٨/١١٧)
وقال الشيخ جلال الدين المحلي:
"ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ"
النبي (عليه الصلاة والسلام) ومن ذكر معه.
(تفسير الجلالين: ٤/١٩١)
لذلك حق علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على بعثة هذا النبي الكريم بالاحتفال بذكرى مولده وبتوزيع الطعام على الفقراء والمساكين وبالإنفاق في سبيل الله وبالسفر في قوافل المدينة أي في رحلات دعوية وبالإكثار من الصلاة والسلام على النبي خير الأنام صلى الله تعالى عليه وأله وأصحابه أجمعين.

الاحتفال بذكرى مولد سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم:

سئل الإمام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:
وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة،
(الحاوي للفتاوى: ١/١٩٦)

أقوال كبار العلماء في المولد النبوي الشريف:

  1. قال الإمام حجة الدين محمد بن ظفر المكي في إشارة إلى كتاب الدر المنتظم:
  2. وقد عمل المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم فرحا بمولده الولائم، فمن ذلك ما عمله بالقاهرة المعزية من الولائم الكبار الشيخ أبو الحسن المعروف بابن قفل قدس الله تعالى سره، شيخ شيخنا أبي عبد الله محمد بن النعمان، وعمل ذلك قبل جمال الدين العجمي الهمذاني وممن عمل ذلك على قدر وسعه يوسف الحجار بمصر وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحرض يوسف المذكور على عمل ذلك.
    (سبل الهدى والرشاد: ١/٣٦٣)
  3. ألّفَ الحافظ أبو الخطاب بن دحية كلبي كتابا في المولد النبوي:
  4. قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دحية: كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب "التنوير في مولد البشير النذير" وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار قال: وقد سمعناه على السلطان في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة.
    (١_ الحاوي للفتاوى: ١/١٩٠، ٢_ وفيات الأعيان لإبن خلكان: ٣/٤٤٨-٤٥٠)
  5. قال الإمام الحافظ أبو الخير ابن الجزري:
  6. قد روي أن أبا لهب بعد موته رؤي في النوم، فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار، إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار إلى نقرة إبهامه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له.
    وقال أيضا قد بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نكتة: إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
    (عرف التعريف بالمولد الشريف: صـ٢٢)
  7. قال الإمام الذهبي عن الملك المظفر:
  8. أما احتفاله بالمولد، فيَقْصر التعبير عنه، كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة.......ويُخْرِجُ من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، فتُنْحَرُ، وتُطبَخُ الألوان، ويَعْمَلُ عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فيُنْفَقُ أموالا جزيلة، وقد جمع له ابن دحية "كتاب المولد"، فأعطاه ألف دينار، وكان متواضعا، خَيّرا، سُنّيّا، يحب الفقهاء والمحدثين.
    (سير أعلام النبلاء: ٤٢/٣٦٨)
  9. قال ابن كثير الدمشقي عن الملك المظفر:
  10. كان يعمل المولد الشريف في ربيع الاول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه، وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه: "التنوير في مولد البشير النذير" فأجازه على ذلك بألف دينار.
    (البداية والنهاية: ١٣/١٣٧)
  11. قال الإمام السيوطي عن المولد النبوي:
  12. إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكون والكتم عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا بغيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته.
    (الحاوي للفتاوى: ١/١٩٣)
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف وفق الشريعة الإسلامية وأن يثبتنا على طاعته ويكرمنا بالالتزام بسنن حبيبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قولاً وفعلاً واعتقاداً إنه سميع قريب وبالإجابة جدير.
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين

Comments

Popular posts from this blog

Sunan and Manners of Applying Kohl

Sneezing in the light of Islam in this Corona Panedemic

The Historic Event of Aamul Feel